الصين تتكلم.. فهل تسمعها؟

 العالم يحتفل بلغته الأكثر تحدثاً.. اليوم العالمي للغة الصينية نافذة على حضارة تمتد لآلاف السنين

اللغة الصينية

كتبت/ ساندي


في كل عام وتحديداً في العشرين من أبريل يحتفل العالم بـ (اليوم العالمي للغة الصينية)
يوم ليس عادياً في أجندة الأمم المتحدة بل هو رسالة صريحة تقول إن اللغة هي هوية حضارية وعصب ثقافي وقوة ناعمة تصنع التوازن بين الشعوب

لماذا الصينية؟ ولماذا يوم خاص للإحتفاء بها تحديداً؟

سأحدثكم هنا عن حكاية لغة لم تخلق في زمن التكنولوجيا بل خلقت قبل أن نعرف مفهوم الزمن وظلت تنمو وتنمو حتى أصبحت لغة يتحدث بها أكثر من مليار وأربعمائة مليون إنسان على وجه الأرض


• اللغة التي قاومت الزمن

اللغة الصينية هي واحدة من أقدم اللغات المكتوبة في العالم
حيث ولدت في رحم الحضارة الصينية القديمة ونمت كرمز للتقاليد والعلم والفلسفة والفن والإدارة والعلاقات الإجتماعية
إنها ليست مجرد حروف أو أصوات
بل نظام معقد من الرموز كل رمز يحمل في طياته قصة فكرة ورؤية للعالم

فكروا معي..

هل هناك لغة أخرى يمكن أن تكتب فيها القصيدة مثل اللوحة؟
هل هناك لغة تستطيع أن تشرح بها الكون في ثلاث كلمات؟
هذه هي الصينية


يوم العشرين من أبريل.. لماذا هذا التاريخ؟

إختارت الأمم المتحدة هذا التاريخ تكريماً لـ (تسانغ جيه)
الشخصية الأسطورية التي يقال إنها إخترعت الحروف الصينية قبل آلاف السنين
الرجل الذي بحسب الأساطير بكى حين كتب أول حرف لأن السماء شعرت بأن الإنسان إكتشف سر الخلق

إحتفال هذا اليوم ليس فقط لتقدير اللغة
بل لتكريم الإرث الفكري الذي خلفته وراءها
من (كونفوشيوس) إلى (لاو تسي) من قصص الحب الصينية القديمة إلى كتب الطب والفلك من فنون الحرب إلى فلسفة (الطاو)

اللغة الصينية اليوم.. قوة ناعمة تخترق الحدود

لا تندهشوا إن قلت لكم إن الصين لا تصدر فقط أجهزة وتكنولوجيا
بل تصدر (اللغة) أيضاً
عشرات الملايين حول العالم يتعلمون الصينية كل عام
من الجامعات الأوروبية إلى المدارس العربية
من برامج الذكاء الصناعي إلى قنوات الأطفال

اللغة الصينية أصبحت رمزاً للقوة الإقتصادية والسياسية والثقافية
وأصبحت تعلمها قراراً إستراتيجيًا في بعض الدول لا مجرد خيار شخصي

مراكز (كونفوشيوس) تنتشر في أكثر من 150 دولة
وكتب الأطفال بالصينية تجدينها في مكتبات القاهرة و باريس ونيويورك
حتى بعض الشركات الكبرى تشترط الآن معرفة اللغة الصينية ضمن مؤهلات التوظيف

ماذا تعني لنا نحن الناطقين بالعربية؟

ربما يسألك أحدكم: (ما علاقتنا نحن بهذا اليوم؟)
والإجابة بكل بساطة
أن فهمنا للصين لن يكتمل بدون فهم لغتها
وأن الشراكات الإقتصادية والثقافية والسياسية لا تصمد دون جسر لغوي قوي

تعلم الصينية اليوم لم يعد رفاهية
بل بوابة للفهم للتفاوض وللنفاذ إلى سوق ضخم يزداد تأثيره كل يوم
ولأن الصين تنظر إلى اللغة كجسر للحوار فإننا بحاجة لبناء هذا الجسر بأنفسنا لا أن ننتظرهم ليبنوه لنا

تحديات اللغة.. وسحرها

صحيح أن تعلم الصينية يبدو للبعض مهمة شاقة
فهي ليست لغة تعتمد على الحروف الأبجدية
بل على الرموز والنغمات الصوتية والسياقات المتغيرة

لكن من يدخل هذا العالم يكتشف متعة لا توصف
فكل رمز هو لوحة
وكل جملة هي إيقاع
وكل محادثة هي رحلة بين المعنى والروح

هل جربتوا يوماً أن تكتبوا كلمة (حب) بالصينية؟
هل رأيت كيف يبدو شكلها كأنها زهرة تنمو من القلب؟
الصينية تمنحكم شعوراً بأنكم لا تدرسوا لغة بل تتعلموا كيف تنظروا إلى الحياة بشكل مختلف

العالم يتغير.. واللغة تتقدم

في عالمنا الذي يزداد تشابكاً يصبح للغات دور أكبر من مجرد التواصل
اللغة الآن أداة للتأثير للتمثيل وللوجود
والصينية اليوم تقف إلى جوار الإنجليزية والفرنسية والإسبانية كواحدة من لغات العالم الكبرى

بل في بعض المجالات مثل الذكاء الإصطناعي والروبوتات أصبحت الصينية هي اللغة الأصلية للبرمجة والتصميم في الشركات الصينية الكبرى التي تقود العالم


دعوة مفتوحة لكل العاشقات للمعرفة

في هذا اليوم لا أطلب منكم أن تدرسوا اللغة الصينية فوراً
بل أدعوكم أن تنظروا إليها كنافذة
إفتحوها ولو قليلاً
شاهدوا من خلالها كيف يفكر شعب عمر حضارته خمسة آلاف سنة
إقرأوا قصيدة شاهدوا فيلماً جربوا كتابة أساميكم بالرموز الصينية

إفتحوا قلوبكم لهذا العالم
لأن اللغة ليست فقط ما نقوله
بل ما نحن عليه


اليوم العالمي للغة الصينية هو أكثر من مجرد إحتفال
إنه تذكير صامت بقوة الإنسان حين يكتب
وحين يتحدث
وحين يصنع من الكلمات حضارة.

إرسال تعليق

نرحب بجميع الآراء والتعليقات لذلك يرجى الإلتزام بالأدب وإحترام جميع الآراء.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال