هدم قباب ومقابر جدل الهوية والتراث في مصر

 تساؤلات حول القيمة التاريخية والمعمارية لقباب ومقابر الأسرة العلوية

قباب ومقابر الأسرة العلوية

متابعة/ ساندي

أثار قرار الحكومة المصرية بهدم قباب ومقابر جدلاً واسعاً بين المواطنين حيث إعتبر الكثيرون أن هذا الهدم هو إنتهاك للتاريخ والثقافة
لكن في سياق النقاش يظهر سؤال مهم: 
هل هذه القباب بما في ذلك قبة حليم باشا وغيره تعتبر آثاراً تاريخية أم أنها مجرد قباباً وقبوراً تعكس إحتلالاً سياسياً وثقافياً لمصر؟.

• تاريخ القبب وأهميتها

قبة حليم باشا وغيرها من القبب تعد من المعالم البارزة في القاهرة حيث تعود إلى فترة حكم الأسرة العلوية
أنشأها حليم باشا في القرن التاسع عشر وهو أحد أفراد هذه الأسرة التي جاءت من ألبانيا وهو أيضاً حفيد محمد على باشا الذي جاء إلى مصر ضمن فرقة عسكرية عثمانية للعمل على إخراج الفرنسيين من مصر لكن القوات العثمانية إنهزمت في موقعة (أبي قير البرية) ومن ثم عاد إلى بلده وقدم مرة أخرى إلى مصر ضمن جيش القبطان حسين الذي جاء ليساعد الإنجليز على إجلاء الفرنسيين عن مصر
لذلك فإن هذه المعالم رغم جمالها المعماري تمثل تاريخاً يتسم بتدخلات من قوى خارجية مما يجعلها موضوعاً للتساؤل حول هويتها الثقافية.

• الإحتلال والهوية المعمارية

الأسرة العلوية لم تكن جزءاً من تاريخ مصر الأصلي كالقدماء المصريين بل جاء أعضاؤها في إطار إستعمار أوروبي حيث تولوا الحكم بعد الطرد الفرنسي 
لذلك يمكن إعتبار هذه القباب ليست فقط رمزاً للسلطة بل أيضاً دليلاً على وجود إحتلال ثقافي
تثير هذه النقطة الكثير من الجدل حول ما إذا كانت تلك المعالم تستحق الحماية كتراث تاريخي أم ينبغي النظر إليها كرموز للإحتلال
وإن النقاش حول إزالة المباني التي تعود لأسر إحتلت مصر لا يقتصر فقط على القباب والمقابر بل يتسع ليشمل فهم أعمق لتراث مصر التاريخي والثقافي
صحيح أن العديد من الآثار الإسلامية والرومانية واليونانية قد تعود إلى فترات إحتلال إلا أن الحفاظ عليها يستند إلى كونها تعكس مراحل مختلفة من التاريخ المصري وتطورها مما يثري الفهم العام لهذه الفترة ويعزز الهوية الثقافية
القباب والمقابر العائلية لأسر المحتلين مثل قبة حليم باشا وغيرها من القبب تعبر في جزء كبير عنهم وعن ثقافتهم في الدفن والتشييد ولا تعكس التاريخ المصري الأصيل
لذلك فإن القرار بنقل رفات هؤلاء الأفراد إلى أماكن أخرى بدلاً من إبادتها يعكس إحتراماً للتاريخ وللأفراد دون إحتفاظ بمعالم قد تعيق تطوير البنية التحتية أو تؤثر سلباً على حياة المواطنين
الموضوع ليس مجرد إزالة للآثار بل هو إعادة تقييم لما هو جدير بالحفاظ عليه
فنحن نحتفظ بما يعبر عن الهوية المصرية الحقيقية وما فعله هؤلاء المحتلون من أجل مصر هو الذي يستحق التدوين والإحتفاظ به كجزء من التاريخ الذي يجذب السياح ويظهر تنوع الثقافات التي تواجدت في البلاد
ومن خلال هذا الفهم يمكننا تقدير ما أثرته هذه الفترات على المجتمع المصري بدلاً من التركيز على معالم لمقابر قد تعتبر تجسيداً لوجود إستعماري
من المهم أيضاً أن نعي أن الحفاظ على التراث لا يعني إغفال الفترات المظلمة في التاريخ بل يعني التعلم منها وإعادة صياغة الذاكرة الجماعية بطريقة تبرز التحديات التي واجهها الشعب المصري وكيف إنتصر عليها
وبذلك نكون قد ساهمنا في خلق بيئة تفاعلية تحترم التاريخ وتتعلم منه مع الحفاظ على البنية التحتية التي تساهم في رفاهية المواطنين وتنشيط السياحة.

• المصلحة العامة مناقشة القرار الحكومي

في سياق قرار هدم القبب إعتبرت الحكومة أنه يأتي في إطار المصلحة العامة
فالشوارع المحيطة تعاني من زحام شديد مما يستدعي إتخاذ قرارات لتعزيز البنية التحتية
ويأتي هذا القرار في إطار تحسين المرور في منطقة مصر القديمة وهو ما قد يسهم في تعزيز السلامة العامة.

• قواعد شرعية في التعديلات المعمارية

في النقاشات حول هدم القبب إستند البعض إلى قواعد شرعية مثل: ﴿درء المفاسد أولى من جلب المصالح﴾ فاستمرار وضع المقابر بهذه الحالة يعتبر مفسدة حيث أن تلك المنطقة كانت تشهد العديد من المشاكل مثل إرتفاع منسوب المياه الجوفية وتسربها إلى المقابر بالإضافة إلى تلف في شبكات الصرف الصحي القريبة علاوة على تحول المنطقة إلى وكر للجرائم والمخدرات
وفقاً لهذا المنظور فإن هدم القبب هو إجراء لحماية المصلحة العامة وينبغي النظر إليه كخطوة إيجابية.

• تاريخ الإسلام كمثال

للإشارة إلى وجود سوابق في التاريخ الإسلامي تم ذكر أمثلة مثل المسجد النبوي الشريف الذي بني على أنقاض مدافن بني النجار حيث تم نقل الرفات بعد تعويض أصحابها
هذه الأحداث تظهر كيف يمكن تبرير تغييرات معمارية عندما تعتبر لمصلحة العامة دون إنتهاك حرمة الموتى
كما تم هدم قباب البقيع التي كانت من أقدم وأهم المقابر في التاريخ الإسلامي هذه القباب والمقابر إحتوت على رفات العديد من أهل بيت النبي محمد ﷺ وأبرز صحابته مما جعلها ذات رمزية دينية وتاريخية عالية ومع مرور الزمن بنيت العديد من القباب والأضرحة على قبور الشخصيات البارزة المدفونة فيها مثل أئمة أهل البيت (الحسن بن علي وعلي زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق) وغيرهم من الصحابة وأمهات المؤمنين
وفي أوائل القرن العشرين شهدت قباب البقيع حدثاً تاريخياً هائلاً وهو هدم القباب التي كانت تغطي العديد من القبور الهامة تم تنفيذ عمليتي هدم رئيسيتين كانت الأولى في عام ١٨٠٦ والثانية في عام ١٩٢٥ وكلتاهما قام بهما التحالف السعودي السلفي بناءً على تفسيرهم للشريعة الإسلامية
عملية هدم قباب البقيع التي تمت في عام ١٩٢٥ جاءت ضمن إطار إصلاحات واسعة تم تبنيها لأجل المصلحة العامة والتوسعة والتطوير في الحرمين الشريفين
تلك الخطوة لم تكن عشوائية بل كانت جزءاً من مشروع أوسع لتعزيز البنية التحتية وتطوير الأماكن المقدسة لمواكبة الأعداد المتزايدة من الحجاج والزوار
الهدم تم بناءً على فتاوى دينية وضعت لتحقيق هدف رئيسي وهو الحفاظ على التوحيد الخالص وتفادي البدع بالإضافة إلى العمل على التوسعة ومع مرور الوقت إزداد عدد الزوار للمدينة المنورة ومع إزدياد ذلك كان من الضروري أن تتخذ خطوات لتوسعة البنية التحتية الخاصة بها مما دفع السلطات إلى إزالة القباب لترك مساحة أكبر تخدم الزوار وتحقق سهولة في الوصول والتجول داخل البقيع
من الناحية العملية كان الهدف الأساسي هو التطوير الحضاري للموقع وإتاحة مزيد من الأراضي للإستخدام خاصة وأن البقيع كان وما زال مقبرة نشطة يتم دفن الموتى فيها حتى اليوم
لذا الهدم لم يكن فقط لإزالة المباني التي يعتقد أنها تتعارض مع العقيدة السلفية بل أيضاً لتطوير المنطقة وتوفير مساحة كافية تلبي الإحتياجات المتزايدة للمسلمين القادمين للزيارة
علاوة على ذلك كان هناك توجه لتعزيز المعايير الصحية وتحسين الظروف المحيطة بالمقابر مع مراعاة الإلتزام بالتعاليم الإسلامية التي تدعو إلى تبسيط مظاهر الدفن حيث يفضل أن تكون القبور متساوية وبسيطة بدون مبان تضفي عليها طابعاً من التبجيل غير المشروع
كل ذلك تم في إطار خطة أكبر للتوسعة والتطوير التي شهدتها المملكة العربية السعودية والتي شملت تطوير البنية التحتية لكافة الأماكن المقدسة بما في ذلك الحرمين الشريفين ومحيطهما.

• الجدل الثقافي والحساسيات المعاصرة

لكن رغم ذلك يبقى الجدل قائماً حول أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية
فقد تزايدت الضغوط الثقافية على المجتمعات مما أدى إلى نقاشات حول ما هو تاريخي وما هو مجرد معالم تمثل هويات غير أصيلة
يعتبر النقاش حول قبة حليم باشا وغيره من القبب جزءاً من هذا السياق الأوسع.

• إستنتاجات حول هوية التراث

يمكن القول إن هدم قبة حليم باشا وغيره من القبب يمثل جزءاً من نقاش أعمق حول الهوية والتراث في مصر
السؤال هنا ليس فقط حول القيمة التاريخية للقبة بل أيضاً حول ما يمثله هذا التراث في السياق المعاصر
من المهم أن نعيد النظر في كيف نقيم المعالم التاريخية وما إذا كانت تعكس هويتنا كأمة أم أنها مجرد بقايا لحقبة إستعمارية
بينما يتجه المجتمع المصري نحو المستقبل يبقى من المهم الإعتراف بتعقيد التراث 
الثقافي والإعتبارات المتعلقة بالحفاظ عليه.


إرسال تعليق

نرحب بجميع الآراء والتعليقات لذلك يرجى الإلتزام بالأدب وإحترام جميع الآراء.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال